الرياض: د. حسن محمد صندقجي
دون أي مقدمات في العرض، وخلافا لما قد يعتقد البعض، فإن أحدا لا يناقش اليوم من الناحية الطبية في ضرورة وجدوى تناول الدهون، ذلك أنها أحد العناصر الغذائية الأساسية في ضمان قيام الجسم بعمله بطريقة طبيعية، ومن دونها لا يستطيع الجسم الحفاظ على حياته.
وهذه الأهمية ليس مردها فقط قدرة الدهون على تزويد الجسم بكمية عالية من الطاقة، مقارنة بالبروتينات والسكريات، ولكن للدهون أدوار مهمة في حصول عمليات امتصاص الجسم لمجموعات من العناصر الغذائية اللازمة لحياته، وللدهون أيضا أدوار حيوية مهمة في عمل أعضاء الجسم، ولبناء أنسجة أعضاء على مستوى عال من الأهمية في الجهاز العصبي، وفي إنتاج مجموعات مهمة من الهرمونات.
وبالمقابل، يعلم الكثيرون أن ثمة حديثا علميا طبيا جادا حول تعليل سبب الإصابات بأمراض القلب والشرايين، وأنواع من السرطان والسمنة وغيرها، بأنها ناجمة عن «كثرة» تناول الدهون.
الدهون كلمة عامة، تشمل مجموعات من المركبات الكيميائية التي تذوب في مواد المذيبات العضوية organic solvents ولا تذوب في الماء، ومن ناحية التركيب الأساسي لها يتكون المركّب الدهني من الغليسرين المتحد مع ثلاثة أحماض دهنية.
وفي درجة الحرارة العادية، داخل الغرفة، قد تكون الدهون إما بهيئة سائلة وإما جامدة، وهي صفة تعتمد على بناء مركب الدهون وعلى مكوناته. ومما تعارف الناس عليه إطلاق لفظ «الزيوت» على الدهون التي تكون في هيئة سائلة عند وضعها في درجة حرارة الغرفة العادية، بينما تسمى بـ«الشحوم» أنواع الدهون التي توجد في هيئة صلبة في درجة حرارة الغرفة، ولذا فإن كلمة «دهون» تشمل الزيوت والشحوم.
والمصادر الأساسية لحصول الإنسان على الدهون، التي يمكنه أن يتغذى عليها، هو إما الأطعمة الحيوانية وإما الأطعمة النباتية.
ومن أمثلة دهون الأطعمة الحيوانية: الزبد والسمن الحيواني، و«كريمة» القشدة، والدسم الموجود في الحليب ومشتقات الألبان، والأنسجة الشحمية الموجودة إما مختلطة بالعظم وإما متغلغلة داخل لحوم عضلاتها، أو في منطقة الظهر أو الذنَب من جسم الحيوانات البرية أو الطيور أو البحرية، وزيت كبد السمك.
كما أن من أمثلة دهون الأطعمة النباتية: زيوت كل من الزيتون والسمسم ودوار الشمس والذرة والكانولا والأرقان وجوز الهند والنخيل والفول السوداني، وكذلك تعتبر المكسرات مصدرا مهما وطبيعيا للحصول على الدهون النباتية في هيئة طبيعية خالصة.
* أنواع الدهون وتصنيفها
* ومن المهم بدرجة أساسية معرفة أن هناك أربعة أنواع من الدهون في الأغذية التي نتناولها، وأهمية هذه المعرفة ووضوحها جدا في ذهن أحدنا لها سببان:
الأول: أن التأثيرات الصحية للدهون على صحة أعضاء الجسم تختلف بحسب نوع الدهن. وعلى سبيل المثال، فإن تأثير تناول الدهون الموجودة في المكسرات على صحة شرايين القلب يختلف عن تأثير تناول الدهون التي في الشحم الحيواني.
الثاني: أن الأغذية تختلف في محتواها من أنواع الدهون. وعلى سبيل المثال، تختلف الدهون التي في زبدة الحليب الحيواني عن تلك الدهون في زيت الزيتون.
والأنواع الأربعة هي: الدهون المشبعة، والدهون الأحادية غير المشبعة، والدهون العديدة غير المشبعة، والدهون المتحولة.
ومما يجدر ذكره أن الكولسترول، كمادة كيميائية، يختلف في التركيب وفي الوظيفة والتأثير داخل الجسم عن عموم أنواع الدهون، ولكن لاعتبارات تتعلق بمصاحبة الكولسترول للدهون المشبعة في الأطعمة الحيوانية فقط، يُذكر الكولسترول مجازا مع الدهون.
* الدهون المشبعة
* لاعتبارات تتعلق بالتركيب الكيميائي للدهون، فإن كل مركب دهني تحيط به وتغلفه ذرات الهيدروجين، وهناك روابط عدة في ما بين ذرات الكربون والهيدروجين داخل مركب الدهن، وحينما تكون تلك الروابط مشبعة، أي لا يمكن دخول ذرات الهيدروجين إليها مثلا، فإن نوع الدهن يكون مشبعا.
وما تقوله المصادر الطبية حول الدور السلبي للدهون المشبعة على صحة الشرايين، القلبية والدماغية وغيرها، مفاده أن الإكثار، ولفترات طويلة، من تناول الدهون المشبعة هو عامل رئيسي في التسبب في ارتفاع نسبة كولسترول الدم، وبخاصة النوع الخفيف والضار منه. وبالتالي فإن هذا الإكثار من تناول الدهون المشبعة يرفع من احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب ومن حصول تداعياتها.
وبعبارة أدق علميا، وكما لا يتوقع الكثيرون، يؤدي الإكثار من تناول الدهون المشبعة إلى رفع نسبة الكولسترول في الدم بمقدار يفوق تأثير تناول الكولسترول نفسه من الطعام! والسبب أن تأثير الدهون المشبعة على إثارة الكبد لإنتاج الكولسترول يفوق تأثير دخول كولسترول الطعام إلى الجسم. ومعلوم أن 80% من الكولسترول الموجود في أجسامنا مصدره ما ينتجه الكبد، و20% فقط من كولسترول الجسم يأتي من الكولسترول الذي يدخل أجسامنا مع الطعام. والمصادر الرئيسية للدهون المشبعة هي المنتجات الغذائية للحيوانات البرية، أي لحوم الضأن والبقر والجمال، وألبانها، ومشتقات ألبانها، والسمن والزبدة المستخلص من ألبان الضأن والبقر.
كما أن لحوم الطيور والدواجن غنية بالدهون المشبعة، أما البيض فمتدني المحتوى من الدهون المشبعة، وما في البيض من دهون هو من الأنواع غير المشبعة.
ويعتبر طعام البحر، كالأسماك والروبيان واللوبيستر وغيرهم، قليلة المحتوى من الدهون المشبعة.
وغالبية زيوت المنتجات النباتية من الأنواع غير المشبعة، بخلاف نوعين مشهورين، وهما زيت النخيل وزيت جوز الهند الغنيين بالدهون المشبعة.
* الدهون الأحادية غير المشبعة
* ومن اسمها تكون الروابط الكيميائية داخل مركبات الدهون غير مشبعة بالارتباط بذرات الهيدروجين، أي أنها «خفيفة» وغير مشبعة بثقل تراكم ذرات الهيدروجين. ,وتبين الدراسات أن إحلال تناول «الدهون الأحادية غير المشبعة» محل تناول الدهون الحيوانية المشبعة هو وسيلة مفيدة ومؤثرة بشكل واضح في تقليل احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب، وفي خفض الارتفاعات في نسبة كولسترول الدم. هذا غير الفوائد الصحية المتعددة لتناول زيت الزيتون على أعضاء شتى في الجسم، وهي التي لا مجال للاستطراد في عرضها ضمن مقام الحديث عن أنواع الدهون بشكل عام.
ومن أمثلة هذه النوعية من الدهون الأحادية غير المشبعة، زيت الزيتون، والزيوت الموجودة في المكسرات، والدهون الموجودة في ثمار الأفاكادو، والدهون الموجودة في البيض.