حالة تنجم عن انقباضات الأوعية الدموية نتيجة البردوالتوتر العاطفي
[b]كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية): «الشرق الأوسط»
الشتاء ينحسر ليظهر الربيع، ثم الصيف بدرجات حرارة أعلى، ترحب بها النساء اللواتي يعانين من ظاهرة «راينود» Raynaud"s، وهي اضطراب يسبب حدوث الانقباضات في الأوعية الدموية الصغيرة عند نهايات الأطراف، لدى حدوث تغيرات في درجات الحرارة من الدفء إلى البرد.
ويؤثر هذا الاضطراب في الغالب على اليدين، وفي أحيان كثيرة على القدمين، وبشكل نادر على الأنف، والشفتين، والأذنين، مسببا فقدانها الفجائي للونها وحدوث البرد، والخدر أو عدم الإحساس، فيها. ويشيع اضطراب «راينود» أكثر لدى النساء من الرجال، ويعتبر استجابة وعائية دموية للبرد. ولدى بعض الناس، استجابة للتوتر العاطفي.
* اضطراب «راينود»
* يسمى اضطراب «راينود»، الذي يظهر من دون سبب معلوم، بظاهرة «راينود» الأولية أو الابتدائية، وهو يظهر بالدرجة الرئيسية لدى النساء اللواتي تقل أعمارهن عن 30 سنة، وهو عموما مثير للإزعاج أكثر من كونه معيقا للحركة. ويمكن السيطرة عليه عادة بعدم التعرض للبرد، وارتداء ملابس للوقاية منه، مثل الجوارب والقفازات داخل المنزل أو في سرير النوم.
إلا أن اضطراب «راينود» يمكن أن يشكل خطرا أكبر عندما يكون ناشئا عن حالة مرضية. وهذا النوع النادر منه يسمى ظاهرة «راينود» الثانوية، وهي تظهر في سنوات العمر اللاحقة، وغالبا لدى الأشخاص (من الرجال أو النساء) الذين يعانون من أمراض في الأنسجة الضامة، مثل «الحَزَبْ المتصلب»، أي (تيبس طبقات الجلد) scleroderma، والذئبة الحمراء الجهازية systemic lupus erythematosus، أو أمراض المناعة الذاتية الأخرى. وهذه الحالات المرضية قد تلحق الأضرار بالأوعية الدموية؛ وتغير من استجاباتها للبرد أو للتوتر، وقد تؤدي أحيانا إلى حدوث مشاكل في إتقان الأداء، أو تقرح الجلد.
واضطراب «راينود» الثانوي يرتبط أيضا بمتلازمة النفق الرسغي carpal tunnelsyndrome، وببعض أنواع المهن والأعمال (مثل تلك التي تستخدم فيها آلات اهتزازية)، وبالأدوية التي تؤدي إلى انقباض الأوعية الدموية، وبالأضرار التي تلحق بالأوعية الدموية نتيجة التدخين، أو بسبب أدوية العلاج الكيميائي.
* أسباب الاضطراب
* عندما يواجه الجسم البرد، فإنه يتصرف بحيث يأخذ في المحافظة على حرارة أعضائه. وتأخذ الأوعية الدموية الصغيرة في الجلد (الأوعية المنظمة للحرارة) في الانقباض، لتعيد توجيه الدم الآتي من الشرايين القريبة من السطح، نحو الشرايين الموجودة في مناطق أعمق، بهدف حماية الجسم من فقدانه للحرارة.
وتحدث لدى الأشخاص المصابين باضطراب «راينود» نفس الاستجابة، حتى عند حدوث تغيرات أقل في درجات الحرارة، إذ تأخذ الأوعية المنظمة للحرارة لديهم في الانقباض فجأة، ثم تظل منقبضة، مما يقلل من تدفق الدم إلى الجلد، الذي يتحول لونه إلى لون شاحب، ويصبح باردا. ويتجمع الدم داخل الأوعية المنقبضة ويغدو دما ناضبا من الأوكسجين، الأمر الذي يزيد من ازرقاق الجلد. ومع مرور الزمن، فإن الأوعية تسترخي، ويأخذ الدم في التدفق فيها، ثم يبدأ الجلد في الدفء، والاحمرار، وربما ينبض.
كما قد تظهر استجابة مماثلة في الأوعية الدموية لدى الأشخاص المصابين باضطراب «راينود» الأولي، عند إفراز أجسامهم طبيعيا للهرمونات التي تفرز عادة لدى التعرض للتوتر العاطفي.
وقد عُرف اضطراب «راينود»، وأجريت عليه الأبحاث، منذ القرن التاسع عشر، إلا أن الآليات التي تقود إلى حدوثه لا تزال مبهمة، كما أننا لا نعرف لماذا يؤثر على النساء بشكل غير متناسب. وينظم تدفق الدم في الجلد بواسطة منظومة من التفاعلات التي تشمل الإشارات العصبية، والهرمونات الدائرة فيه، وأنواع المواد التي تحررها الخلايا والأوعية الدموية .
وبعض الناس المصابين بهذا الاضطراب ربما يكون لديهم الكثير من المستقبلات الخاصة بمادة كيميائية عصبية تسمى «نوربنيفرين» norepinephrine في الأوعية المنظمة للحرارة. وتؤدي هذه المادة إلى انقباض الأوعية الدموية في حالات التوتر، أو تغير درجات الحرارة. كما أن الأوعية الدموية نفسها يمكنها أن تفرز مواد قابضة للأوعية.
وينتشر اضطراب «راينود» الأولي لدى نحو 30 في المائة بين الأقارب من الدرجة الأولى (الوالدان، الأبناء، الأخوات، والإخوة). وقد رصدت الدراسات التي أجريت على عائلات كبيرة أصيب عدد كبير من أفرادها بهذا الاضطراب، عددا من الجينات التي ربما تشارك في حدوثه. وتفترض حقيقة أن اضطراب «راينود» الأولي يظهر لدى النساء أكثر، عادة بين سنّي البلوغ واليأس من المحيض، حيث إن الاستروجين ربما يلعب دوره في ذلك.
* التشخيص والعلاج
* الكثير من الناس يشكون من برودة أيديهم وأقدامهم، ولكن هذا لا يعني أنهم مصابون باضطراب «راينود»، إلا إذا تحولت أنسجتهم إلى اللونين الأبيض أو الأزرق، استجابة إلى هبوط درجات الحرارة.
ويعتبر الفحص المجهري للأوعية الشعرية في قاعدة الأظافر nailfold capillarymicroscopy أحد الفحوصات للتمييز بين اضطراب «راينود» الأولي وبين الاضطراب الثانوي. ويضع الطبيب هنا قطرة من الزيت على الجلد في قاعدة أظافر الأصبع ويدرسها تحت العدسة المكبرة للبحث عن الأوعية الدموية الشعرية التي لم تتشكل بشكل جيد. وهذه علامة تفترض وجود مرض في الأنسجة الضامة، أي اضطراب «راينود» الثانوي. وإنْ شك الطبيب في وجود اضطراب «راينود» الثانوي، فيمكن إجراء فحوص أخرى تشمل فحصا للدم لرصد أجسام غير طبيعية (فحص مضادات الأجسام النووي antinuclear antibody test)، والالتهابات، والغدة الدرقية.
ويبدأ علاج اضطراب «راينود» الأولي بعلاجات غير دوائية. أما الاضطراب الثانوي، فإنه يسبب ـ على الأكثر ـ أعراضا شديدة، منها تقرحات الجلد، ولذلك فإنه يتطلب في العادة علاجا قويا.