[b]اللمس.. التقنية المدهشة الواعدة الجديدة
توضع في الكومبيوترات والهواتف وروبوتات جراحة العيون
[/b]
لندن - واشنطن: «الشرق الاوسط»
هل تعلم أن بعض الأجزاء القليلة من جسدك التي لا ينمو فيها الشعر، هي الأكثر حساسية ككعب القدمين والكفين مثلا. ولنفترض أنك راغب في الإحساس بلمس شيء ما يقع على مسافة آلاف الأميال منك، تماما كسهولة تعرفك على شكله ومظهره عن طريق توجيه كاميرا انترنت بعيدة إليه، فما الذي يحدث لو جرى الاستعانة بمسبار ذكي يقوم بنقل مثل هذه الأحاسيس إلى هذه المناطق الجرداء من الشعر الغنية بالمستقبلات العصبية؟ وأحيانا، هناك حالات لا ينفع فيها سوى اللمس.
لقد مضى عام منذ أن شرعت أجهزة الكومبيوتر بإرسال أحاسيس اللمس إلينا بأساليب عديدة. وعلى خطى قدرتها الأولى على التفاعل مع العيون أولا عبر الشاشات، ومن ثم عبر الآذان عن طريق مكبرات الصوت، فإن عشرات الملايين منها شرعت تكتسب حاسة، أو قدرة اللمس. وبمجرد لمسك للآلة فإنها تعود، وتربت عليك ثانية.
ويقول غايل شيفر الرائد في قضايا اللمس «إننا نهوى الأمور الحقيقية والفعلية، ونقوم بلمس الأشياء الحقيقية طوال اليوم، وعلينا أن نتفاعل مع الأشياء التي نشعر أنها حقيقية». ويضيف في حديث لجويل غاريو مراسل «واشنطن بوست» أنه «في العالم الرقمي يبدو اللمس أكثر خصوصية، ومن دون تطفل، من سائر الأمور الأخرى». وقد باتت شاشات الكومبيوتر التي تعمل باللمس من الأدوات الشائعة، كتلك الخاصة بالاستعلامات في المطارات. ولعل الشعبية الواسعة لهواتف «آي فون»، جعلت هذا الأمر واضحا جدا، ما يعني أن كل فرد منا سيكون له شاشة تعمل باللمس في جيبه. ويبدو في الواقع أن هجمة السطوح التي تعمل باللمس آتية بلا ريب، إلى اليوم الذي تزول فيه الأزرار العاملة بالكبس كلية.
* تقنية اللمس الكاسحة
* الشاشات العاملة باللمس الآن اكتسحت التلفزيونات، والغسالات، والمواقد، والطابعات، وآلات التمارين الرياضية، كما يقول ستيف كوينغ مدير قسم التحليلات الصناعية في إحدى المؤسسات الأميركية. وقد غزت لوحات القيادة في السيارات، وهواتف المكاتب، وأجهزة التحكم عن بعد، ومشغلات الموسيقى، وآلات الملاحة الالكترونية، والكاميرات. وتجعل الأسطح العاملة باللمس الأشياء رخيصة وملائمة أكثر بالنسبة للصانع، فلا توجد أي مقاومة تعيق العمل، كما أن إمكانية الخروج بتصاميم جميلة للمنتوجات المتنوعة ستكون متوفرة. بيد أن المشكلة الكبرى تبقى هي أن لمس شاشة الكومبيوتر المسطحة هو تماما الشعور ذاته الذي لا يتغير. لكنه يقلل من عدد الأضواء الساطعة، ومن ظهور صور الأزرار المراد الكبس عليها إلى النصف تقريبا، لكن يبقى شيء يتعلق بالعقل الإنساني الذي لا يثق بهذه الأيقونات الصغيرة، فمهما حاولت الكبس عليها، لا تستطيع التصديق أنها تستجيب فعلا لك، لكون ملمسها هو ملمس خاطئ.
والآن نحاول تصحيح هذا الأمر، فهدفنا هو خدمة الأجهزة الذكية التي ستجعل أصابعنا تشعر وكأنها تعمل فعلا على أجسام طبيعية حقيقية ثلاثية الأبعاد، والتي تثق بها حواسنا. وهذا ما يجعل منتجي الأجهزة المنافسة لـ«آي فون» يركزون جل اهتمامهم على الشيء الذي لا بد من تقديمه. من هنا يقدم مدراء الإعلانات أفضل ما عندهم للتعريف بأن المنتجات التي يعلنون عنها لا تعمل باللمس فحسب، ولكنها تشعرك بشعور اللمس أيضا، أي أنك تلمس شيئا فعليا. فما أن تلمس الشاشة حتى تشعر بتجاوب ملمسي من قبلها، وهذا يعني الكثير. فلقد تدربنا على استذواق الشعور بالأشياء الطبيعية، كسحب ذراع، أو عتلة إحدى الآلات، أو التمييز بين الفرشاة الناعمة والخشنة الوبر عن طريق الملمس. كما أن صياد السمك بالصنارة يشعر تماما بقياس الخيط الذي يفضله، أو الصحيح عن طريق اللمس أيضا. كذلك لا يستطيع الطهاة الماهرون التهاون مع السكاكين العديمة التوازن أثناء القبض عليها باليد.
من ناحية ثانية فإن اللمس قد يكون خداعا أحيانا. فالسباغتي الباردة قد تجعل المعصوب العينيين يشعر انه مغطى بالدود، كما قد تقنع زوار بيت مسكون أنهم يلمسون عيونا بشرية اقتلعت من محاجرها، في حين أنهم يلمسون حبات العنب المقشرة. هذه هي أساسيات علوم اللمس وألغازه، كما تقول أليسون اوكميورا مديرة مختبر «هابتكس» في جامعة «جونز هوبكنس» في بالطيمور في اميركا.
* تلمّس العالم
* وكلمة «هابتكس» باللاتينية تعني قدرة الأشخاص على تلمس العالم الذي حولهم باللمس. وهي مثل كلمة «أوبتكس» التي تشير إلى البصريات. وتقنية «هابتكس»، أو «تلمس» تعني قدرتنا على استيعاب وبث مجموعة واسعة من المعلومات التي نحصل عليها من شعورنا بعالمنا الثلاثي الأبعاد، تماما مثل الكاميرات والشاشات التي تغذي أعيننا بالمعلومات.
وعمل أوكميورا هو جزء من مختبر هوبكنز للروبوتات، وهي ترأس فريق تطوير روبوت قادر على إجراء عمليات جراحية قد يساعد في جراحة العينين. و«مثل هذا العمل يقضي على ارتجاف أيدي الجراحين»، تقول ذلك وهي تناور لإدخال يد الروبوت في محجر عين جمجمة بشرية. «فإذا هزتها (اليد) ثبتها (الروبوت). وقد يستطيع إرغامي لكي يجعلني أتحرك ببطء، وبطريقة مدروسة عمدا، بحيث يجعلني دقيقة جدا للغاية. وقد نستطيع عن طريق هذا الروبوت ثقب الأوعية الدموية التي تسبب تنكس الشبكية البقعي في العين. وقد تدعو الحاجة أيضا إلى حقن أدوية مضادة للتخثر وما شابه مباشرة في الأوردة، أو حتى في شبكية العين». والجراحة عن طريق الروبوتات موجودة منذ زمن ليس بالقصير، لكن الجراحين يحدقون عادة في الشاشة لرؤية اتجاه مبضعهم. ولكن الأسلوب الصحيح للحصول على يد بشرية ثابتة جدا، كما توضح أوكميورا، هو عن طريق إشراك حاسة اللمس. ومن شأن التغذية الرجعية عن طريق الكومبيوتر جعل اليد البشرية تشعر أنها تناور عبر مادة لزجة. أو لنفترض أن الجراح راغب في أن يزيل، أو يقشر طبقة من غشاء رقيق جدا من قعر الشبكية، من دون المساس بالأخيرة أو ثقبها. من هنا فإن المعلومات الافتراضية المرتدة يمكنها أن توجه أيدي الجراحين بدقة كبيرة.
في هذا الوقت تحاول كاثرين سميث أن تعرف ما إذا كان بمقدورها تسجيل شعور شخص ما، ونقل هذا الشعور إلى دماغ شخص آخر عن طريق تلمس الجلد وتحسسه، كما يفعل الميكروفون ومكبر الصوت عادة في التقاط الصوت ونقله إلى الآذان.
ويظهر شعورك بالفرق بين صفحة ورق مأخوذة من دفتر ملاحظات عادي، وصفحة من الورق الخشن المستخدم لحك السطوح، لأنك تحكم أي من الصفحتين تجعل جلدك يرتج أكثر. وارتجاجات الجلد ما هي إلا ما تلتقطه نهايات الأعصاب، والذي يؤدي إلى قيام دماغك في النهاية بالحكم على ذلك بأنه «ملمس خشن».
* نقل الكومبيوتر لإحساس اللمس
* وحاسة اللمس لدينا حساسة أيضا لدرجات الحرارة. فكيف نستطيع جعل الكومبيوتر ينقل ذلك؟ ضع يدك على الجدار الأسمنتي للمختبر. إنه بارد الملمس. ثم ضعها على الطوق الحديدي. إنه بارد أكثر، في حين أن المكتب الخشبي يشعرك بالدفء. لكن هي جميعها في الواقع بحرارة الغرفة.
«فالمعدن يشعرك بالبرودة لكون الحرارة تتسرب بسرعة من يدك إليه»، كما يقول ديفيد غرو أحد الطلاب المتخرجين من مختبر «هابتكس». «لكن المعدن ليس أكثر برودة من الأسمنت القريب منه» على حد قول أوكاميورا. فكيف نستطيع إذن تعليم الكومبيوتر إبلاغ دماغك بكل هذه الأمور؟
تتخذ أوكاميورا قميصها مثالا لتبيان مثل هذه الصعوبات الكبيرة. فالقميص يبدو مثل الحرير، لكنه يشعرك انه قريب من النايلون. والبطاقة الملصقة عليه تبين أنه فعلا مصنوع بغالبيته من الحرير، مع 12 في المئة أيضا من النايلون، وقليل من مادة «سبانديكس». وقدرة الدماغ البشري على تحليل اللمس وتبيانه، لأمر مذهل فعلا.
وكانت المنتجات الجيدة الغالية الثمن أول المنتجات المقدمة بمعلومات عن اللمس يمكن استخلاصها والاستفادة منها، وأولها المعدات والآلات الطبية، وألعاب الفيديو والكومبيوتر. إلا أن هناك اليوم أكثر من 35 مليون هاتف جوال يعمل باللمس جرى شحنه للزبائن. وأغلبية هذه الهواتف يفوق في تعقيدها بعض الأجهزة والمعدات الأخرى من شاشات وغيرها. وأظهر عالم الألعاب كيف أن بإمكان اللمس أن يندمج ويتكامل مع النظر والسمع. فعندما تضرب كرة المضرب بأداة لعبة «ووي» فلن تكون عيناك مسمرتين فقط على الشاشة، ولكنك تكون «متصلا» أيضا مع الكرة الافتراضية التي تطلق ارتجاجات تتفاعل مع أعصاب اللمس، ما يضفي على اللعبة جوا قريبا من الواقع. فالصوت هو الذي يجعلك تعتقد أنك ضربت الكرة فعلا، وليس غيره، فالأمر هنا مثل الواقع الحقيقي، لأن اتحاد الحواس جميعها هو الذي يجعل الدماغ يقوم بتحليل الأمور.
«لذلك كيف يتسنى لنا الانتقال من الألعاب والمرح إلى العدد التجارية العملية المفيدة التي لا يمكننا العيش من دونها»؟ يتساءل تشك جوزيف المدير العام لمجموعة منتجات اللمس التفاعلية في «إميرسون»؟ فهو خبير في هذه الأمور وساعد في تحويل أنظمة «جي بي إس» لتحديد المواقع من الخدمات العسكرية إلى المدنية ووضعها في أحذية الأطفال لمعرفة مكان وجودهم. كما ساعد شركة كبرى على تحديد المواقع عن طريق جهاز شبيه بعداد «غايجر» بحيث كلما جرى الاقتراب من الهدف المطلوب، كلما كانت الارتجاجات التي يحدثها أكبر.
«وقد بات من الأهمية بمكان أيضا بالنسبة إلى البشر أن تبدأ الآلات بلمسهم أيضا، أو التفاعل معهم بالنظر لغرض تقديم الخدمات لهم، ومنها مثلا أنها تحدق في الوجوه البشرية والتعرف عليها من ملامحها»، كما تقول شيري تيركل العالمة النفسية، والكاتبة، ومديرة مبادرة معهد «إم آي تي» حول «التقنيات والذات». وهذا ما ينطبق أيضا على اللمس.